وسيم , فارع الطول , مفتول العضلات , ثري ... هكذا صارت معايير الرجولة في زماننا... ونحن من نتحمل مسؤولية دموعنا , ننساق وراء غرائزنا , هواجسنا ... . أماهم فيحتمون تحت سلطة الرجولة، ومصيرنا أن نزف كل ليلة للقدر
صارت المرأة جسدا يتبارى عليه الأقوياء، الجميلة صاحبة الحظ والقبيحة في سلة المهملات ... و بانتشار الانترنيت بات درب الفساد أقرب طريق يسلكه المراهقون... كما يقال(ألكان يكتل ما تلا يحشم ) وقصة "حياة"و"أحمد" أقوى دليل على هذا الحال.
بدأت قصتهما عبر الانترنيت حيث تبادلا السلام و الأسماء المزيفة, الهوايات الكاذبة والأحلام المستحيلة، ظلا على هذا الحال فسقطت "حياة" ضحية زير نساء يهوى التلاعب بمشاعرهن. يستغل نقط ضعفهن ليطلق سهامه فيسقطن صريعات حب كاذب. باتت "حياة" كالمنومة مغناطيسيا تحب ما يحب وتكره ما يكره. صار كل همها إرضاء شهواته.فهو كما أوهمها سيتزوجها ولا ضير من إرضائه وتلبية رغباته, ظلا على هذه الحال أربعة أشهر و حالة "حياة" تسوء للأسوأ غرها الجمال و المال، ونسيت أنهما لا يدومان فدوام الحال من المحال تواعدا أخيرا على اللقاء.
المسكينة لم تنم طول الليل، فأخيرا سترى حبيبها الوسيم . حل الصباح, استحمت تناولت الفطور بخفة ونشاط. استغربت لها أمها وفرحت . ظنت أن ابنتها أخيرا قد استفاقت من الخمول الذي كانت فيه ولعل اليوم بادرة خير لغد أفضل, وبالفعل تحقق حلمها. كان لقاء غراميا امتزجت فيه الأحاسيس ورقصت فيه القلوب على نوتة هادئة.
- كنت سابك نشوفك كايل عنك زينة وشبيبة ومنين شفتك نزاد ذاك عن حالتو
قال كلماته تلك وظل يرمقها و كأنه يستمتع بإحراجها .ارتجف جسمها خجلا ثم تنهدت وقالت له :
- حتانا اللاذاك اللي كنت شاكة عنك ريتو بصيفتو.
أمضيا أمسية جميلة وافترقا على أمل اللقاء في اليوم الموالي. لم يكن ينقص "حياة" شيء فعيناها نجلاوان , ووجهها مستدير كالقمر ذات ابتسامة أخاذة طويلة القامة رشيقة, تأسر العيون و تجذب الأنظار،أما هو فكان وسيما أسمر اللون طويل القامة ينسل على جبهته شعر لامع زاد من وسامته. تواعدا على اللقاء مجددا و اختلقت "حياة" كذبة أخرى على أمها فالتقته في مُركب " لاس دوناس"، و اليوم الذي تلاه في مُجمع"رياض فاس" و اليوم الذي بعده في مقهى "palais de glasses"ومرات في شاطئ" فم الواد" وفي كل مرة كان يدفع فيها الحساب ترمقه بنظرات إعجاب. فحبيبها ثري ولا ينقصه شيء و عما قريب سيتقدم لخطبتها . وفي يوم من الأيام التقته ولم يكن كعادته استقبلها و الخوف باد على محياه، قلقت لحاله و استفسرت عن سبب حزنه :
- انت اليوم تبان مانك متمونك ياك ميوجعك شي ?
دنا منها وأخذ يتحدث إليها بشكل مطول, لم تفهم منه شيئا في بداية الأمر, لأن عقلها كان مشلولا وغير قادر على الاستيعاب. لكنها بدأت تشعر تدريجيا بوجود رسالة يتحتم عليها سماعها والإصغاء إليها.
- أخبرها أن أحد أصدقائه المقربين ذكرها بسوء . و صارحها أن كلام الناس قض مضجعه, وأنه لم يعد يحتمل نظرات الرجال لها. و طلب منها أن ترافقه إلى منزل اشتراه ليبتعد عن أعين الناس و عن كلامهم اللاذع.
احمر وجهها, وارتبكت لم تعرف بما ستجيبه كل ماقالته :
- مانكد...
أصر على رأيه و خيرها إما الموافقة أو نسيانه للأبد.
أومأت له بالإيجاب وقالت :
- لاهي نمشي. يغير لاتفرض علي شي مانكد نعدلو.
ووافق , لأنه متأكد أنها ستسقط آجلا أو عاجلا في شراكه.ذهبت معه وعندما فتح باب المنزل حملها بين ذراعيه, فخفق قلبها, وتشبثت به . فها هو يحقق لها حلمها الذي كانت تحلم به و هو أن يحملها زوجها ويتخطى بها عتبة الباب كبادرة خير و حب أبدي و استقرار هني .اغرورقت عيناها بالدموع وأنزل هو الأخر دمعة من عينيه بكل برودة و فن تأثرت بدموعه ومضى ذلك اليوم على أحسن ما يرام .
ظلا يلتقيان في مخدعهما ذاك . وفي أحد الأيام أصر على غير عادته أن يخدمها وأن يتفنن في تدليلها. أعد فنجانين من القهوة ووضع في فنجانها قرصا منوما، شربت الفنجان من يديه فغابت عن الوعي فاستغل ضعفها و أشبع رغبته. لم يمس شرفها بسوء فقد كان خائفا على نفسه أكثر من خوفه عليها. انتظرها إلى أن استفاقت, ولم تصدق عيناها ما رأت. غطت نفسها بملاءة بيضاء ونظرت إليه ترجوه إفهامها الوضع, وحين لم يعرها اهتماما, صرخت في وجهه قائلة :
- انا ذلعدلتلي هو شنهو ? هذا مكنت ظانتو فيك
اكتفى بإشعال سيجارته و ظل ينفخ دخانها على مرأى من عينيها بكل برودة كأن كلماتها وتوسلاتها لا يعنيان له شيئا، أطفأ السيجارة وقال :
- انا ماعدلت لك شي . بي اللي ماني مستعد للالتزام وذاك لكنت ندور عدلتو غير انت ما خسر عليك شي .واللا كيسي اهلك ودعناك لمولانا.
لم يستطع عقلها أن يستوعب شيئا. كانت صدمتها قوية والشيء الوحيد الذي عرفته أن الحلم الذي كانت تعيشه أصبح اليوم فاجعة وكابوسا يهدد حياتها. لبست ثيابها التي بللتها دموعها و أمرها بالاستعجال فصبره نفذ، تحاملت عليه فاضطر إلى إمساكها من يديها و أخرجها من البيت عنوة، ورمى عليها درهما واحداً وصفق الباب وراءها، لملمت أغراضها و وضبت هندامها ومشت في ذلك الشارع المظلم.
كانت تبكي و تلعن حظها، اتصلت بصديقة لها و روت لها ما حدث، تمكنت صديقتها من تلفيق كذبة محبوكة التفاصيل على أم "حياة"، و استطاعت خداعها. صعدتا إلى الغرفة و ساعدتها على تبديل ثيابها و غطتها و تمنت لها ليلة سعيدة..
بعد مرور ثلاثة أعوام...صارت "حياة" زوجة و أما لطفل، استفاقت من حلمها وقررت العودة للخط المستقيم، تمكنت من نسيان الماضي بفضل إرادتها و إيمانها القوي، لبست الحجاب و صار شعارها الأبدي. أما "أحمد" فبعد حياة الثراء و الغنى تعرض أبوه للإفلاس و لم يعد يملك في هذه الحياة شيئا، ففرض عليه أبواه العمل ليعيلهما. أما أصدقاؤه فقد تخلوا عنه و ترفعوا عن صداقته، فاضطر إلى العمل في أحد الأسواق الشعبية ( الرحيبة ) كبائع للسردين ينادي بأعلى صوته ليجلب الزبائن إلى بضاعته .
في أحد الأيام و بينما "بأحمد" ينادي بأعلى صوته :
- سردين .. سردين جديد..
التقت عيناه عينا "حياة" وسط الحشد الذي اجتمع حوله .
كانت رفقة ابنها و زوجها الذي بدا مسرورا بهذا الجو العائلي، استوقفها صوت "أحمد" فتذكرته في الحال، تعمدت أن تحيط بيدها ذراع زوجها و تمسك بيدها الثانية ابنها "مصطفى"، اشترت من "أحمد" بعض السردين، سلمته نقوده و زادت عليها درهماً واحداً. عرف حينها ما عنت , فهو نفس الدرهم الذي رماها به يوم طردها من منزله .





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق