ضياع
لم يكن يؤمن
بالحب, فجل همه كان التسكع مع زملائه في شوارع مدينة "العيون" وإلقاء
الكلمات المعسولة لأي فتاة مارة. الى أن تمكن
منه الحب فجأة وأحس أنه قد وقع فعلا في الهيام وبنفس الفتاة التي كان قد كرهها
سلفا، لم يكن يتخيل نفسه أنه قد يهوى أو يقع في الحب...
في شارع "اسكيكيمة" التقيا ,حيث بادر
"محمد" بالكلام وأرسل بضع كلمات إعجاب بها كحال معظم الشباب .
رمى كعادته بكلماته تلك قائلا :
-
ياش بعد , مانك شينة وفيك الشيطان وشي يشطن يغير البيظان
ماتتفطن .
أجابته بطلتنا بنظرة ازدراء تمنى حينها أن تنشق
الأرض و تبتلعه وألا تنظرا ليه بتلك النظرة.لم ييأس بل بادلها بكلمات أسوأ وأقبح قائلا :
- فظمة فيك انت شاكة عنك شي ونت مانك اسبيبة.
لكنها ظلت ترمقه بتلك النظرات. لم تعره اهتماما
وتابعت سيرها إلى أن ركبت سيارة أجرة. مرت الأيام وكتبت الأقدار أن يلتقيا فأعاد
التاريخ نفسه ولم تعره اهتماما وتابعت سيرها. تحدى كبرياءه و أصر على أن تقع في
شباكه. لكنها ترفعت مرة أخرى عن حديثه..
كانت
"مريم" كعادتها تمشي بخيلاء دون أن يثير أي أحد اهتمامها.
إلى أن التوى كاحلها وهوت على الأرض تطلب المساعدة, لم تجد أمامها إلا "محمدا"
وكم كانت فرحته عارمة حينها, فقد ضحك من صميم قلبه وتعمد أن يسمعها صوته, لم
تتمالك نفسها وسقطت دمعة من عينيها, لسوء حظها كان الزقاق خاليا من المارة ولم يكن
في وسعها إلا الأنين بصوت متقطع راجية أن يمدها الله بالعون, بينما تعمد هو أن يمر
من أمامها للمرة الثانية. لم تسمح له أنفته أن يساعدها بل تعمد إغاظتها، لكن شيئا
ما تحرك داخل قلبه حين سمع أنينها. خطى خطوة للأمام وسرعان ما تراجع للخلف . كان كمن يصارع الزمن و الكبرياء, حسم القرار,
و قرر العودة فأحاطها بذراعيه, صدمت من قراره أخبرها بكل لطف قائلا :
-
مانك خايفة كنت اللا لاهي نسندك الين توكفي .
سلمته نفسها وهي كالمغمى عليها، للمرة الأولى
في حياته عجز عن تفسير ما وقع. نظر في عينيها، و نظرت في عينيه، صكت على أسنانها و
احمرت وجنتاها فهذه أول مرة يلمسها فيها رجل،
ساعدها على الوقوف و سار بها إلى أقرب منزل، طرق الباب و تكلم بأدب مصطنع، فساعده
الجيران، و جاءت الإسعاف، لم يفارقها لحظة
إلى أن جاء أهلها، ودعها بنظرة متأسفة و تابع سيره. لم تسعفه ذاكرته من تجميع أي شيء
و لم يجد جوابا واحدا للأسئلة المتعددة التي خطرت على باله.
يقال : رب صدفة خير من ألف ميعاد، و فعلا
التقيا بعد ذلك بشهر كانت "مريم" تتلهف للقياه و شكره، وكان هو
الأخر متلهفا للقائها، فبادر بالحديث :
-
انت اشحالك كنت اللا نتخمم بيك ? شواسيتي ياك اللا تعافيتي.
ردت عليه بلهفة وإعجاب :
-
ماشاء الله تعافيت حامدة مولانى وذاك اللا بيدك انت فيه يطول عمرك.
أجابها بكل تواضع :
-
بلا جميل انا ماعدلت ماهو اللي يالتو يعدل .
وحتى لا يثيرا انتباه المارة تبادلا أرقام الهواتف، وانصرف
كل واحد لحال سبيله. استمر الحبيبان على هذا الحال و كل منهما يستغرب من هذا
اللقاء و من هذا الحب، بعد عقبها بشهور
تيسرت أحوال "محمد" وصار بفضل إرادته وتشجيعات "مريم"
له من التجار الأكفاء المعروفين في "
العيون ". تقدم لخطبتها فوافق الأهل وعمت الفرحة أجواء العائلتين و حدد
يوم الزفاف.
نصبت الخيام
و عمت الأهازيج المكان، شاع الخبر و جاء المدعوون من كل صوب، و صمت
الزغاريد الأذان، لكن قبل عقد القران ببضع ساعات، دخلت عجوز منزل العروس، تبادلت
الحديث مع أمها. لم يفهم الحشد ما الأمر,
و اكتفوا بتبادل نظرات الاستفهام. هوت أم العروس، وحينها تأكد للجمع أن في الأمر
مصيبة، .
تأكد أن "محمد"
هو أخ "مريم" بالرضاعة، و أن العجوز و لسوء حظهما علمت بالأمر و
جاءت مسافرة من إحدى البوادي لتوقف الزفاف
لكونه محرما شرعا. تلقت العروس الخبر و هوت مغمى عليها، لم تستفق إلا على
بكاء أخواتها و أمها تصبرها، تمنت رؤية "محمد" بين أهلها و حين سألت عنه
أخبرتها أمها أنه قد رحل إلى شمال المملكة ..





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق