كثيرا ما سمعنا عن الحب وبعض قصصه، همسات القلوب وعبرات الأفئدة نتطلع لعلاقة
ناجحة ونترقب نهايتها السعيدة. لكن قليلة هي تلك , فليت أقدارنا تساير قلوبنا ولو
لمرة لغامرنا مع من نحب، وقصة "بشرى"
و "محمدفاضل" من القصص
التي تحزن القلب وترهف الآذان .تشق بنا طريقا مظلما مليئا بالمغامرات لكنه موحش
قاس ومرعب.
لم تكن "
بشرى" الفتاة البشوشة المثقفة تحسب لغدر الزمان ولم تتوقع الغدر أو
الخيانة من حبيبها" محمد فاضل". كان لقائهما لغزا سرعان
ما انكشف حله عبر الأيام، تصادفا في"قصرالمؤتمرات" حيث كانت مدينة "العيون" تشهد
مهرجانها السينمائي الأول بحضور جمع من الفنانين المحليين والعالميين .كم كانت
فرحة "بشرى" عارمة حين
تلقت تلك الدعوة .تأنقت ولبست أجمل ما عندها ,ووقفت دقائق تتأمل جمالها ,فبقوامها الجميل
وطلتها المهيبة وطولها الفارع وشعرها الكستنائي استطاعت بالفعل أسر أعين المتجمهرين
في القصر, وكان"محمدفاضل" ذو العينين الواسعتين والمنكبين
العريضين والطول الفارع أحد الذين أثارتهم "بشرى "
بجمالها. استغل فرصة بقائها
وحيدة وانطلق مندفعا ليرتطم بها ترنحت وتمايلت وأمسك بها مساعدا إياها وانحنى
ليلتقط جزدانها . اعتذر منها بكلمات منمقة وأسلوب بهيج قائلا :
-
اسمحيلي ياك منعطبت ? ماني قاصدها
-
عادي عادي ماخلكلي شي.
-
انت الى عاد ما معاك حد تكدي تكعدي حذايا وشينكالك ماهي
صغرة بيك ?
-
واللهي نكعد معاك بعد وانا ينكالي بشرى
كم فرح بجوابها ولزما الصمت لأن الحفل كان قد بدأ, وبعد
انتهائه تمنت "بشرى" "من قلبها لو تلتقط صورة لها مع
الفنانة "ليلى علوي",ففهم نظراتها,واندفع غير مبال وطلب من
الفنانة "ليلى علوي " أن تمنحه شرف التقاط صورة له معها وصديقته
,وبتواضعها المعتاد قبلت , وكانت "بشرى" أكثر الناس فرحا ,وبعدها توجهت" لمحمد فاضل" وتمادت في شكرها له . أصر على مرافقتها إلى
المخرج الرئيسي وقبلت عرضه ثم ودعته بنظرة ساحرة وقرر أن يطلبها رقم هاتفها :
-
تكدي تعطيني رقم تلفونك انا ماني مال من جماعتك
تملصت من طلبه بكل عفوية واستقلت سيارة الأجرة.
مرت أيام على ذلك اللقاء و"محمد فاضل "يتوق للقاء ريمه , وبالفعل
تحقق له ما أراد . كانت برفقة صديقتها في شارع
"اسكيكيمة" تتبضع وكان
مع صديقه يتمشيان ويراقبان الناس جيئة وذهابا , والتقت عيونهما أخيرا ,سلم
عليها بأدب مصطنع وبادلته التحية باحترام استفسر عنها وأخبرته بحالها فأصر على أن
تعطيه رقم هاتفها فغرضه شريف فأعطته إياه بعجلة ثم استأذنت منه . لم ينم تلك
الليلة وقرر مهاتفتها كان صوتها كصوت مراهقة بريئة خائفة من مستقبل مجهول ينتظرها.
استمرا على هذه الحال أياما وأسابيع وشهور إلى أن تأكد أنه أوقعها في شراكه. كان
هاويا لعوبا, وسرعان ما مل من ضحيته. نجح
بكل براعة في خداع بطلتنا, فالمحب حين يحب يغض عينيه عن الحقائق ويلفق المستحيل
ليرسم حبيبه بأحلى صورة, وهذا ما حدث مع" بشرى" التي تمادت في
إظهار حبها له فصارت كدمية بين يديه يتقاذفها ليحصل على هدف رائع. وكان هدفه هذه
المرة شرفها وعذريتها والتي اكتشفت أنها حامل منه, صدمت من الخبر فبعد أن شكت في أمرها
بعد فقدان الشهية الذي عانت منه ,والإغماء والغثيان المتواصلين ارتأت أن تعاين
نفسها وصدمت من النتيجة .لم تعرف مالذي بوسعها عمله . كل ما خطر ببالها أن تعلمه
بالخبر وتطلب منه أن يتقدم لخطبتها ويسارع في إتمام معاملات الزواج , لم تكن تظن
أنه سيقابلها بذلك الجفاء ,حتى أنه أنكر معرفته بها رمى كل اللحظات السعيدة عرض
الحائط لم تتمالك نفسها وبدأت في البكاء
والصراخ ,فأسكتها بصفعة قوية على وجهها وأخبرها :
-
أنا ذ اخباري منو تحملي مسؤوليتك وحدك
-
حكلى لاتعدلي ذ شلاهي نكول لهلي ذ ماكنت نظنو منك.
ظلت تبكي وترجوه وحينما أدرك صعوبة الموقف تركها وسارع
لأقرب محطة.اكتفى بحقيبة صغيرة وغادر المدينة إلى المجهول . لم تدر ما العمل وقد
تأخر الوقت فلم تجد بدا من مصارحة أسرتها , وكحال معظم الأسر المحافظة انقض عليها
إخوتها كالكلاب المفترسة وأوسعوها ضربا . أما أمها فقد أغمي عليها من هول الخبر
واكتفت أخواتها بالبكاء بصمت . أما أخوها الأكبر ومعيلها بعد وفاة أبيها فقد طردها
وتبرأ منها أمام أسرتها و أخبرها أن تنسى أن
لها عائلة . المسكينة أسرعت الخطى تبكي وانطلقت تلف تلك الأزقة المظلمة
وتندب حظها .اتصلت بإحدى صديقاتها وروت لها ما حدث باتت عندها تلك الليلة وقررت أن
تسافر لمدينة أخرى هاربة من مجتمع لا يرحم وماض أليم. وبالفعل سافرت إلى "أكادير" واستطاعت
بمساعدة صديقاتها تدبير نفسها فوجدت وظيفة
ميسورة في إحدى الشركات واستطاعت أن تنال ثقة المدير ,وتمكنت بفضل إصرارها الوقوف
على قدميها . و حين حان موعد ولادتها تعسر على المسكينة الحمل ولم تجد أحدا
يساعدها وتأخر الإسعاف في المجيء ليجدوا المسكينة متوفاة وبأبشع الصور .
المرحومة لم ترد إسقاط الجنين وتمسكت به فقد بات أسرتها
الوحيدة. أما "محمد فاضل" فقد عاد للمدينة وقرر أهله
تزويجه من ابنة عمه ووافق في الحال لأنه لم يعد قادرا على خوض مغامرة جديدة, وفي
ليلة الدخلة ولسخرية القدر اكتشف أن ابنة عمه غير عذراء, فجن جنونه وخرج مهرولا
فاقدا عقله . عرف حينها أنه عقاب من الله تعالى فمن سخر واستهزأ بشرف الناس سيأتيه
إن عاجلا أو آجلا عقاب من الرحمان الرحيم .
فما "بشرى" إلا ضحية حب مزيف .صحيح
أنها اقترفت أخطاء في الماضي لكنها لم تتمادى في العصيان. تابت إلى الله
ولم تسقط جنينها تضرعت إلى الله ورجته رحمته وما علينا سوى الدعاء لها بالرحمة
والغفران. أما "محمد فاضل" فقد بات محط شفقة لم تعد ذاكرته تسعفه
صار كالأهبل والمخبول نسي أن الحياة شوطين شوط له وشوط عليه.
.jpg)




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق