الأحد، 26 أكتوبر 2014

خيانة


                             


خيانة  

كثيرا ما نتمنى أن يحظى قدرنا مع من نحب بعظيم الوفاق والاتفاق ونتمنى أن تتوافق الأقدار مع من نحب، و أن يعود للحب من أول نظرة معناه السامي، و كم نحلم لو يتحقق حلم واحد من الأحلام المستحيلة التي طالما وددنا تحقيقها، فلم قلبت الموازين رأسا على عقب؟ صار المحب محط سخرية و الخائن بطلا تنحني له الرقاب و الصادق مرتع خصب للخيانة والكاذب نموذج للإنسان الفحل. قد نكثر من الأحكام الخاطئة وننعت الرجل بالخائن، وننسى أن خيانة الرجل أقل وطأة من خيانة المرأة، فالرجل حين يحب بحق. يهدر دم حياته من أجل محبوبته . يكون صادقا بريئا وترتسم على محياه ملامح البراءة و تسكت شفتاه عن الكلام بمجرد رؤيا الحبيب. وقصة " عبد الله "من القصص الواقعية التي تبكي القلب قبل العين، و تأسف على حال الحب و المتزوجين.    
          كان قد تعرف على "ريم "الفتاة الممشوقة القوام ، وذات الطلة المهذبة وخفة الظل الساحرة,  تأسر العيون و تجذب الأنظار. أعجب  بها من أول نظرة وتمادى في إظهار حبه لها. تبعها كالمجنون، أراد أن يعرف مكان سكناها ليكون قريبا من شرفة غرفتها,  فينام حين تنام ويستيقظ حين تستيقظ، فطنت لإعجابه و ملاحقاته، ولم تعره اهتماما.
    حاول مرات عديدة إيقافها لكنها كانت تصده، لم ييأس بل ظل على حاله أسابيع وكلما كانت تود الخروج تجده أمامها يرمقها بنظراته تلك. إلى أن قرر وضع حد للوضع و البوح لها عما يخالج صدره، أخبرها أنه لا ينوي التلاعب بها و أنه صادق في أحاسيسه تجاهها. توقفت عن السير واستدارت بكل هدوء و وقار. ردت عليه بكل برودة :
-الى عت ادورني  حك  عندك انسهديك على دار اهلي ...
 فاجأته بقرارها وكأنه لم يتوقع أن توافق على شخص عادي مثله رد عليها قائلا :
-        واللاهي ذيك اللاهي غايتي ...
  أما هي فولته ظهرها و انصرفت لحال سبيلها. تركته كالمصدوم ، لم يعرف ما العمل، ولم يحكم عقله هنيهة، فأخيرا حصل على جواب ضمني و سرعان ما سيتوج بجواب نهائي، و يضع حدا لأحلامه التي عما قريب ستصبح ذكريات من الماضي، كان "عبدالله" من الشبان الذين هاجروا إلى "إسبانيا" سعيا وراء تحسين أحوال معيشتهم، واستطاع الوصول إلى "جزر الكناري" برفقة جمع من أصدقائه عبر المسالك السرية للحدود المغربية البحرية مع إسبانيا، و تمكن بفضل طموحه أن يؤمن مسكنا و عملا، واستعان بذكر الله فلم ينجرف في وادي الفساد ، فكل همه كان العودة لأهله بجواز شرعي يخول له الدخول و الخروج متى شاء، فرح الأهل بعودته وتيسرت حاله و أفاد أهله بما سخر له الله، و أعاد ترميم بيت أهله، و بات كل همه إتمام دينه و كان له ما شاء، فحين تعرف على ريم لم يعط لنفسه فرصة استشارة أهله أو حتى الاستفسار عنها، أجابته بكلماتها تلك، و أسرع الخطى ليبشر أمه بالخبر السار:
-        يا والدتي انا جبرت طفلة لمشد واللا مشي معايا شور اهلها.
 قال كلامه بلهفة لتجيبه وعلامات الاستغراب بادية على محياها
-         ذي الطفلة بعد كاع منهي  ومنت من ?
-        يسوى منهي ويسوى منت من المهم عنيان اندورها الى عتي ماشية معايا كوليهالي ولمذاك كوليها لي ملي .
-         واللهي لاهي نمشي امعاك كبال امنين عت تعرفها ودورها .
و بالفعل تقدم لخطبتها و لم تعترض، حددا يوم الزفاف لأنه مستعجل و يتمنى من كل قلبه أن تصير زوجته اليوم قبل الغد، وبالفعل فان غدا لناظره قريب، مضى ذلك اليوم سريعا، اجتمعت الأسرتان أخيرا,  و صارت" ريم" زوجة شرعا "لعبد الله" الذي كان يومها أسعد رجل في الكون كله , و زادت فرحته أكثر حين تأكد من عذرية زوجته وطهرها، فجمالها وعذريتها زادا ولعه أكثر بها. سافر الزوجان لقضاء شهر العسل، ولم يتركا أي مدينة، كانا كالسائحين كلما ابتعدا عن معالم مدينة إلا و زاد تعلقه بها، كان يعرف أنه شهر فقط فعليه العودة "لإسبانيا" لعمله قبل انقضاء وقت إجازته، فبات كل همه إسعادها و الترويح عنها و إشعارها بحنانه و حبه,  و أنها مجرد شهور تفصلهما عن بعض قبل أن ترافقه إلى "إسبانيا"، مضى ذلك الشهر بأسرع ما يمكن، ودعته بعين دامعة و أنفاس متقطعة، أما هو فقد كانت دموعه أكبر دليل على حزنه، لم يرد ترك يديها وكلما سمع نداء طائرته زاد التصاقا بها، أخبره أخوه الأصغر أن عليه الرحيل حتى لا يتأخر عن موعد طائرته , و ودعه و أمر زوجة أخيه بالالتحاق به حتى يوصلها للبيت، حلقت الطائرة في الجو, و اختفت عن أعين المودعين,  حاملة معها خمسين  قلبا جريحا و أحلاما مستحيلة وعبرات تائهة، حينها فقط أدركت أنها بقيت وحيدة و عليها مسؤوليات تجاه عائلة زوجها، لكنها لم تتحمل فكرة العيش وحيدة مع عائلة غريبة عنها، فكانت كلما اشتاقت لأهلها تذهب تاركة أم "عبد الله" وحدها تطبخ، تجلي وتنظف والتي أدركت كم كان ابنها خاطئا في اختياره , صبرت لكن صبرها كان قد نفذ لتهاتفه في إحدى الليالي ولتخبره بحقيقة زوجته :
-        ذي لمرة اللي جبتلنا ذلي تعدل مايتواسى وتكلم معاها واللا لاهي نتكلم انا معاها.
-        انا مرادكم ماندخلهم وريم نعرف عنها ماتعدل الخاسر واللا تمي تكايسي معاها.
أقفل الخط رغبة منه في الهروب من واقع زوجته "فريم" في نظره ما زالت غير معتادة على وضعها الجديد وبعدها عنه هو السبب . لكنها لم تتغير بل زاد طبعها سوء. كانت في السابق تنام في بيت زوجها.اليوم تقضي معظم أيام الأسبوع في بيت أهلها، و تعود في نهاية الأسبوع لتوضب غرفتها، و تعنى بجمالها و تستلقي على فراشها الوثير تتكلم مع زوجها ساعات و ساعات، دون أن يؤنبها أو يلومها على تصرفاتها تجاه أهله، فعذاب أمه و معاناة إخوته لا تهمه، ولهه الوحيد طمأنة قلب زوجته، و إرسال النقود لها كلما طلبت و أمرت.
ليت الحال ظل هكذا. لكن الشيطان لعب "بريم" و صديق "عبد الله"، الذي كان "عبد الله "يرسل النقود معه ليعطيها لزوجته . فكان كلما يلتقيان تتعمد إثارته بمفاتن جسدها . فصار يتودد إليها و يحسسها بإعجابه..
 و أتقن الشيطان هذه المرة دوره واستطاع بكل سهولة تهديم حياة زوجين جديدين و بأبشع الطرق و أقساها, و من هول المفاجأة سنحت فرصة" لعبد اللاهي" للعودة لوطنه أسبوعا، فقرر أن يفاجئها  .
ركب أول طائرة حاملا معه باقة ورود حمراء، فأخيرا سيجتمع بزوجته. صعد السلالم بكل خفة، فهو يعرف أن "ريم "وحدها بالبيت فوالدته وأخوه مسافران .  فتح باب الغرفة بكل هدوء ليرى  ما لم يكن في حسبانه. زوجته في أحضان صديقه الوحيد.
  لم تصدق عيناه ما رأى، وصرخت هي محاولة إيهامه أن صديقه أراد اغتصابها، لم تدرك أنه أخيرا عرف حقيقتها، فآهاتها تلك لم تكن صدا منها، بل كانت لوعة و انسجاما مع جسد صديقه.
     أدرك هذا الأخير  حينها صعوبة الموقف، احمر خجلا و اندفع نحو الباب، هرب مسرعا تاركا صديقه مسمرا مصفرا  كأوراق خريف ذابلة، لم ينطق ببنت شفة، صفق الباب نزل السلالم .
     أدركت "ريم" أن حقيقتها قد كشفت,  فاكتفت بحقيبة صغيرة و غادرت المنزل تاركة "عبد الله "يتأوه من الخيانة، و ينعل حظه. ظل قابعا في مكانه صامتا إلى أن حل الصباح.  توجه مباشرة إلى المحكمة سلمها الأوراق اللازمة لإنهاء معاملات الطلاق، وفور انتهائه غادر المطار تاركا وراءه حلما مزعجا و كابوسا أليما، مدينة ظالمة وزوجة عاهرة و صديقا خائنا.

    مر على ذلك الحادث سبع سنوات و "عبد الله" لا زال يرفض العودة إلى أهله أما صديقه فقد رحل إلى المجهول. لم يدر عنه أحد و لم يعلم بمكانه أحد قط. أما "ريم "فقد تلقى أهلها خبر طلاقها بصدمة و اضطروا للانتقال من المدينة بعد ما لحقهم من عار ابنتهم التي طردوها من حياتهم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;